بسم الله الرحمن الر حيم

مئوية المك رحال اندو كادقلى 1917 - 2017

شعارنا: قوتنا فى وحدتنا

فى البداية اود هنا ان اتوجه بالتحية الخالصة والشكر الجزيل لكل الكوكبة الممتازة من رجال ونساء وشباب  قبيلة كادوقلى الذين كانوا جميعا خير زاد فيما قدموه من جهد كبير وعظيم  فى سبيل نجاح فكرة مشروع المئوية لواحد من الشخصيات الوطنية التاريخية التى ساهمت في ارساء دعائم السلام لهذه القبيلة، وكان خلف هذه  الكوكبة الحكامات ينشدون الأغانى الحماسية اثناء النفير وهذا بهدف تشجيع للمتطوعين وبث روح الحماس فيهم حتى تم تشيد وتهيئة مقر الإدارة الأهلية  لهذه المناسبة التاريخية العظيمة ، ويجدربنا  ايضاً ان نثمن جهود ابناء القبيلة في داخل السودان وخارج السودان وكذلك البطون السبعة المكونة لكادقلى والقبائل المتحالفة معها و كان كل هذا الجهد المتواصل سببا فى تحقيق قيام هذا المشروع الكبير ألا وهو الاحتفال بمئوية المك رحال اندو كادقلى مك قبيلة كادقلي.

وحقا فقد نجحت الفكرة وتحقق المشروع وتم اخراجه  في يوم بهيج و ثوب جميل يليق بمقام المحتفى به المك رحال اندو كادقلى كشخصية سودانية وطنية وقومية تستحق هذا التكريم العظيم عرفانا بالجميل وبما قدمه من نضال ومناهضة للإستعمار الغاشم المستبد ومسانداً للثورة المهدية بمدها بالعتاد والقوات حتى استطاعت القضاء على الجيش التركي في معركة شيكان، وكذلك مسانداً ومنسقاً مع الفكي علي الميراوي ضد الإستعمار البريطانى بالإضافة لذلك  فقد ساهم المك رحال في حماية القبيلة من تجارة الرقيق التى كانت تمارس من قبل الأتراك والعرب فى منطقة جبال النوبة وكان المك رحال قد قاد قوة عسكرية تتكون من 500 جندي في يونيو عام 1906 ومعه المك حامد ابو سكين و B Connell المفتش الأنجليزى في كادقلى للقضاء على تجارة الرقيق في منطقة تلودي  وكذلك القضاء على حركة الشيخ الشريف في تلودي الذى ادعى بأنه المهدي المنتظر، وكل هذا بجانب أنه عمل في تحقيق السلام في ربوع قبيلة كادقلي والاقاليم المجاورة و التىي كانت تتبع ادارياً لقبيلة كادقلى.

المك رحال تولى الحكم خلفا لابيه اندو كادقلى عام 1880 والذى عرف بالشجاعة والقوة و الحكمة والدراية خاصة فى شئون رعاية القبيلة وقد تغنت له الحكامات بهذه الصفات الجميلة و بالفروسية  وهكذا ورث الابن رحال اندو هذه الصفات الحميدة عن والده وسار على نفس الطريق بل اضاف الكثير من سماته الجميلة ، منها ان المجموعات التى لجأت الى قبيلة كادقلى طلباً للحماية منحهم المك رحال اراضىي في السمة وادخلهم تحت ادارة كادقلى كما منحهم حق ملكية الأرض في المنطقة ، وللتاريخ ايضا منح المك رحال اراضي في منطقة البرداب التي تقع شمال كادقلى الى قبيلة الفلاته ، كما منح اراضي شرق حجر المك والتي تعرف الآن بحلة الفقراء للعرب الذين جاءوا الى كادقلي بعد الثورة  المهدية منهم قبيلة دار جامع وقبيلة السلامات والتي هاجرت الى كادقلى  اثناء حكم المك مجمد رحال الأول بعد ان طردتهم قوات المهدية من منطقة البركة في شمال كردفان.

وكانت علاقة  المك رحال مع جميع هذه القبائل التي جاءت الى منطقة كادقلي علاقة حميمة اتسمت بالودية والمتانة وخاصة مع قبيلة ميري العريقة و خصوصاً مع المك فكي على والمك حامد ابوسكين ، حيث عملت قبيلة كادقلي على بناء تحالفات و علاقات واسعة مع الشوابنة ومع قبائل عرب دار جامع وقبائل الفلاته في منطقة البرداب والشعير واخيرا وليس آخرا مع الجلابة جوارا في كادقلي.

 كان المك رحال اندو قد تسلم زمام السلطة في السنوات الأخيرة من نهاية الحكم التركي في السودان بعد هزيمة المهدي للقوات التركية المصرية عام 1885 ، و كان الحكم التركي قد وضع شيئ يعرف بنظام الحكم في السودان و الذي تطورفي عهد الحكم البريطاني المصري الثنائي والذي قام بتقسيم السودان الى إحدى عشرة مديرية إدارية وذلك لتسهيل مهمة ادارة البلاد ، وقد كانت مديرية جبال النوبة واحدة من هذه المديريات وعاصمتها تلودي والتي تم ضمها فيما بعد الى مديرية كردفان في عام 1929 ولكن ظلت المنطقة تحتفظ بأسم جبال النوبة حتى توقيع إتفاقية سويسرا عام 2001 حيث تغير الأسم بعد توقيغ اتفاقية نيفاشا عام 2005 الى جنوب كردفان./ جبال النوبة.

فى أثناء الحكم الثنائى تم تثبيت الإدارة الأهلية عام 1935 بشكل كبير وكان ذلك عهد المك محمد رحال الأول الذى خلف والده بعد وفاته 1917 حيث كان خير سلف ،  وفى هذه الفترة لعبت الإدارة الأهلية دوراً هاماً فى تسير دفة الحكم فى أقاليم السودان المختلفة ، وكان رجالات الإدارة الأهلية هم اصلاً قادة المجتمعات، وكان يحكمون بين الناس بقانون العرف و الإجتهاد ، وفى هذا فقد نالوا ثقة و احترام المواطنين. وفى فترة الحكم التركى ادخل كثيراً من الأقاب للحكم منها المك ، السلطان ، الشرتاى ، و الناظر ، العمدة ، الشيخ وهكذا والتى ما زالت حتى الأن. ففى جبال النوبة منح لقب المك لقائد ورئيس القبيلة وكان له صلاحيات وسلطات واسعة فى عهد الحكم البريطانى. ويلى المك فى المرتبة العمدة ثم  الشيخ وكل له سلطات ايضاً هذا بالنسبة للنوبة ، اما بالنسبة للعرب فرئيس القبيلة لقب بالناظر ويليه فى الحكم العمدة ثم الشيخ وحتى في شمال السودان أطلق على قادة القبائل لقب المك وهناك يوجد المك نمر والمك حسن عدلان وفي دارفور اطلق لقب الشرتاى و السلطان على رؤساء القبائل ، مثلاً السلطان على دينار.

وفى فترة الحكم الثنائى قسمت مناطق جبال النوبة الى ادارات أهلية وكل لها حدودها الجغرافية المعروفة ولها سلطات ادارية واسعة. فمثلاً قبيلة المورو وبطونها والتى تقع شرق مدينة كادوقلى كانت تحت ادارة المك تاور أدم ، ومنطقة ميرى في الناحية الغربية وبطونها كانت تقع تحت ادارة المك الزاكى الفكي على ، ومنطقة أطورو وبطونها كانت تحت ادارة المك ارنو كبى ، ومنطقة تيرا تقع تحت ادارة المك رحمة لتشو ، وهيبان ادارة المك كبجو كومى ، ومنطقة شوايا تحت ادارة المك كالوقى ، ومنطقة ليرا تحت ادارة مك كاتشو بخيت ، ومنطقة كندرما تحت المك النور كوكو ، أما منطقة كادقلى تقع تحت ادارة المك رحال اندو كادقلى ، وبالمناسبة وللحقيقة والتاريخ ان قبيلة كادوقلى جاء اسمها من كادقلى الجد الأكبر والمؤسس لهذه القبيلة.

وكانت تقع تحت ادارة كادقلى كل من المناطق المجاورة لها بلإضافة الى المناطق الجنوبية منها وهى انقلو ، فاما ، بلنجا ، كرنقوعبدالله وكرنقو تبانجا ، التيس ، الشاة الدمام والشاة الصفية ، كتشا ومنطقة كيقا وكلها كانت تخضع لإدارة قبيلة كادقلى. اما قبيلة الحوازمة في منطقة المورو فكانت ادرتها تتبع للناظر محمد مراهد ، والحوازمة والعرب الأخرى في كادقلى فكانت تحت ادارة الناظر بلال سومى. وقد كانت للعموديات في قبيلة كادوقلى دوراً ادارياً هاماً وايضاً هى تتبع مباشرة للمك او الناظر ، فمثلاً عمودية كاتشا و المناطق الجاورة لها كانت تحت ادارة العمدة الزبير رحال وبعد وفاته خلفه العمدة موسى رحال (الملقب بالبدين) ، وفي كادقلى  عمودية العمدة شكرالله ، وفى السمة (كليمو) عمودية عبدالله مراد و كانت كل هذه العموديات تتبع لإدارة كادقلى .

كانت سلطات ومسئوليات المك والعمدة والشيخ  واضحة فى عملية جمع الضريبة التى تعرف بالدقنية انذاك وتجمع هذه الدقنية من كل شخص ويتم تسليمها الى المك والذى بدوره يقوم بتوريدها الى خزينة المركز وبجانب جمع الدقنية فى المنطقة كانت هناك مسئوليات اخرى تقوم بها  الإدارة الأهلية وهى نظافة الشوارع وفض النزاعات والنظر فى القضايا المحلية فى محكمة المك ومحكمة الناظر. وبالنسبة لكادقلى كانت هناك محكمتان بالقرب من المركز تعرف بمحكمة المك رحال ومحكمة المك الزاكى وفيها تنظر كل القضايا المدنية والأحوال الشخصية والنزاعات .

وكان الحكم البريطانى فى كردفان يحضر سنوياً الى كادقلى وتالودى لحضور الإحتفالآت والعروض العسكرية التى كان يقيمها مك كادقلى واستمرت هذه العروض والإحتفالات  حتى عهد المك محمد رحال الأول الذى كان قد خلف والده  المك رحال اندو عام 1917 بعد وفاته ، ولجدارة كل من المك رحال اندو والمك محمد رحال الأول  فى ادارة دفة الحكم وفض النزعات في المنطقة بصورة مشرفة وبحكمة عالية و لجدارتهم في ادارة شئون القبيلة منح الحاكم العام البريطانى كل منهما لقب "سير" وكسوة شرف من الدرجة الخصوصية

 و كلمة "سير"بالعربى والتى تنطق باللغة الإنجليزبة "” Sirتعنى علو المرتبة بمعنى اخر تشير الى العظمة وعادة الشخص الذى يمنح هذا اللقب من الحكم  العام اوالملكة يكون هذا الشخص قد قدم عملا نبيلاً وانجازاً كبيراً للدولة ولذا يستحق منحه هذا اللقب وكسوة الشرف من الدولة ، فالمك رحال كان قد نال هذا اللقب والشرف عن جدارة فيما قدمة من عمل وتضحيات جسام نحو قبيلة كادقلى العريقة  ،حيث قام بارساء دعلئم السلام بعمل تحالفات مع القبائل الأخرى بهدف التعايش السلمى بين القبائل فى المنطقة والتى يغلب فيها التنوع العرقى والدينى والثقافى والقبلى و تعتبر هذه الخصائص فى حد ذاتها نعمة وليست نقمة فى كثير من الدول المتقدمة وكثيراً ما تكون سبباً  مباشراً للرقى والتقدم و الإزدهار. وهكذ نجد الأجاد والأباء الذين قد رحلوا عنا قد تركوا لنا تاريخاً ناصعأ وارثا قيما يحتم علينا والأجيال القادمة المحافظة عليه بكل ما يملكون من قوة وعزيمة وتخليد ذكرى لتلك الشخصيات الوطنية التى قدمت من تضحيات جسام واجازات وعلى رأسها تحقيق التعايش السلمى وروح التسامح العالى بين مكونات القبائل المختلفة التى  تعيش في منطقة كادقلى وفى كل ارجاء المناطق التى كانت تتبع لإدارة قبيلة كادقلى .وهكذا عاش المواطن في منطقة كادقلى فى جوىً  يسودة السلام والطمأنية و الوئام والمحبة بين كل المكونات العرقية التى تعيش فى منطقة قبيلة كادقلى وما جاوره من القرى البعيدة.

والأن  نحن مواجهون بتحديد كبيرة وهناك سؤال مهم جداً يحتاج منا جميعاً للإجابة عليه ، ألا وهو ماذا فعلنا اليوم كى نحافظ على ماتبقى من أرث القبيلة والتاريخ المجيد الذي  صنعوه و تركوه لنا اجدادنا واباؤنا بعد نضال وتضحيات جسام في  سبيل تحقيق السلام والمحبة و الوئام لكل مكونات القبيلة على اختلاف اعراقهم والوانهم  ودياناتهم وقبائلهم المختلفة ، وهذا ما اقدم عليه المك رحال ورفاقه الميامين.

و هنا لا بد من ابناء هذه القبيلة العريقة ذات التاريخ الطويل والمجد التليد ان يصحو من نوهم  ويحزو نفس الطريق الذى سار عليه الأجداد حتى نستطيع تحقيق الغايات السامية والنهوض بهذه القبيلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً وأمنياً والعمل  في تحقيق سلام عادل ومستدام وليس فى القبيلة فقط بل فى جميع مناطق جبال النوبة التى عانت الكتير من ويلات الحرب اللعيبة التى قضت على اليابس والأخض في هذه المنطقة الغبية بالثروات المعدنية التى في باطن الأرض والثروة الزراعية والغابية الخ... وهذا يتطلب منا جميعا ابناء هذة القبيلة ان نقف وقفة رجل واحد متكاتفين ، متعاونين ومتضامنين وليكن شعارنا: قوتنا في وحدتنا لأن في الوحدة قوة نستطيع من خلالها الوصول لنيل الأهداف المنشودة ومعالجة المشاكل الكثيرة العالقة بالقبيلة الأن  وعلى رأس تلك المشاكل هو تقوية الأدارة الأهلية حتى تستطيع ان تؤدى واجبها ومسئولياتها بصورة جيدة وعالية نحو المواطن بنفس الطريقة التى سار عليها الأجداد والأباء  بتحملهم   المسئوليات الحسام  في سبيل رفاهية  مواطنى  القبيلة.وتحقيق سلام وامن واستقرار واعادة تاريخ هذه القبيلة الى ماضيها التليد ، وهذا بالطبع  لن  يتحقق الا بتوحيد صفوفنا والبعد عن الحقد والضغائن  والإنقسامات.  

وأخيراً اود هنا ان اتوجه بالشكر لهذا الجمع الغفير الذى جاء من كل فج عميق للمشاركة فى هذه المناسبة التاريخية العظيمة وأننى سعدت كثيراً بان فكرة  الاحتفال بمئوية المك رحال اندو كادوقلى التى كانت تساورنى منذ فترة قد وجت قبولاً حسناُ من قبل ابناء بطون قبيلة كادوقلى الذين كان لهم القدح المعلى فى نجاح هذا اليوم التاريخى لقبيلة كادقلى وفيه  تحقق الهدف المنشود، الا وهو وهو تخليد ذكرى الراحل المقيم  المك رحال اندو كادقلى  ورفاقه الميامين  الذين ارسو لنا دعائم السلام و المحبة والتعايش السلمى و خلق روح التسامح فى هذه القبيلة ومن اهم الأهداف التى تحققت  فى هذه المئوية هى اعادة تاريخ قبيلة كادقلى الناصع والمجيد.

و نحن اذ نعتبر هذه  المئوية بمثابة صحوة وأمل  ونرجو ان لا تموت هذه الصحوة  وان تكن هذه بداية حقيقية للإنطاق نحوعمل متواصل ودؤب للنهوض بالقبيلة واعادتها مدينة كادقلى الى سيرتها الأولى، حيث كانت المدينة تنعم بالسلام والإستقرار وكانت كل مكوناتها تنعم بالأمن و الطمأنينة .

ومن هذا المنبر ندعو الجميع للعمل معاً من أجل ارساء دعائم السلام العادل و المستدام فى المنطقة ، وانتهز هذه السانحة ايضاً لإناشد كل الأطراف المتنازعة (الحكومة والحركات المسلحة)  فى كل من جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ان يحكوا صوت العقل من أجل الوصول الى سلام عادل ودائم للبلاد بوقف ويلات الحروب التى عان منها شعبنا طوال هذه السنين الى يومنا هذا.

وفى الختام  أناشد اللجنة العليا لمئوية المك رحال ان تدعو الى جتماع  جامع  فى اقرب وقت  ممكن لمناقشة القضايا العالقة بالقبيلة التى كانت من المفترض ان تناقش بعد النتهاء الإحتفالات مباشرة وكذلك لتقيم اعمال اللجان ولمعرفة الإيجابيات والسلبيات حتى نستفيد من هذه النجاحات او السلبيات مستقبلاً .

د. سليمان موسى رحال اندو كادقلى