الإعلام و قضية جبال النوبة في أيام الحرب:

لقد عمل نظام الإنقاذ منذ توليه مقاليد الحكم عبر إنقلابه العسكرى على فرض طوق أمنى و اعلامي على منطقة جبال النوبة حتى يتسنى له تنفيذ مخططه الأجرامي الخاص بالتصفية العرقية و الإبادة الجماعية لشعب جبال النوبة في هدوء تام بعيداً عن أعين المجمتع الدولي و منظمات حقوق الإنسان الدولية. و كان لا يسمح للصحفيين و مراقبي حقوق الإنسان بدخول المنطقة أو حتى خروج إي معلومة منها حتى و لو كانت صغيرة حتى لا ينكشف أمره و يفشل مخططه. فكانت أي عربة تخرج من كادوقلي أو أي مدينة من مدن جبال النوبة تتعرض للتفتيش الدقيق من قبل رجالات الأمن المنتشرين في كل مداخل و مخارج المدن الكبرى بالمنطقة. فلقد نجح نظام الأنقاذ في حملته هذه لدرجة أن سكان الخرطوم و المدن السودانية الأخرى من أبناء النوبة كانوا في ذلك الوقت يجهلون تماماً ما يدور في جبال النوبة من تصفية و إبادة و حرق للقرى و تجويع المواطنين بمنع منظمات الإغاثة الدولية و المحلية من دخول المنطقة. و لم ينقك ذلك الحصار اللعين إلا بعد الحملة الشرسة التي قام بها أبناء جبال النوبة بالخارج عندما تصدوا لممارسات النظام بكشفها للمجمتع الدولي و منظمات حقوق الإنسان مستخدمين في ذلك المعلومات الشحيحة التي كانت تتسرب إليهم من ذويهم بالداخل. و لقد استغل أبناء جبال النوبة بالخارج وسائل الإعلام العالمية المقروء منها و المسموع في كشف ممارسات النظام الأجرامية في المنطقة و استطاعت قضية جبال النوبة أن تأخذ بعداّ عالمياً لأول مرة و أن تتبوأ مكاناّ سامياّ في أجندة المجتمع الدولي. و نتيجة لتلك الحملة الشعواء  مورست ضغوط كبيرة على النظام من قبل الحكومات و منظمات حقوق الإنسان العالمية حتى سمح النظام مكرهاّ  لممثلي حقوق الإنسان ممثلاً في قاسبر بيرو المبعوث الخاص للأمم المتحدة و ممثلين لبعض الحكومات نائب من البرلمان البريطاني  بزيارة المنطقة و كتابة تقارير عن حقوق الأنسان في المنطقة. فلقد لعب الإعلام دوراّ كبيراّ في تسليط الأضواء على قضية جبال النوبة و رفعها إلى مصاف القضايا التي حازت على اهتمام المجتمع الدولي. و يعود الفضل في ذلك إلى أبناء جبال النوبة بالخارج الذين استغلوا وسائل الإعلام الحر في الغرب خاصة خير استغلال  لقيادة حملتهم الشرسة ضد النظام و ممارساته في المنطقة، و بل عملوا على ربط إنسان المنطقة في المناطق المحررة بالعالم الخارجي لأول مرة.

 فلقد استطاع تضامن جبال النوبة بالخارج  إصدار جريدة النفير الشهرية التي كانت تصدر باللغتين الإنجليرية و العربية و ترسل إلى المناطق المحررة من جبال النوبة و توزع إلى كل منظمات حقوق الإنسان العالمية بالإضافة للشخصيات العالمية البارزة. كما عمل التضامن بالتعاون مع منظمة أفريكان رايتس على إصدار كتاب نوبة السودان و مواجهة الإبادة باللغتين العربية و الإنجليزية و هو أول كتاب يوثق لجرائم النظام في جبال النوبة. و استطاع التضامن بمساعدة بعض المنظمات التمهيد لبعض الصحفيين و مصوري الأفلام  كجولي فلينت و آرثر هاوس و الفرنسي هوجو و هم من أوائل الصحفيين الذين دخلوا إلى المنطقة و قاموا بتصوير أفلام توثيقية عن انتهاكات حقوق الإنسان في المنطفة و تم بثها على قنوات البي بي سي و القناة الرابعة البريطانية و كثير من القنوات العالمية الأخرى. هذا قيض من فيض من المجهود الإعلامي الذي قام به أبناء جبال النوبة في فترة الحرب نجحوا من خلاله في  تسليط الأضواء على قضيتهم العادلة حتى نالت نصيبها من الأهثمام العالمي.. و لا ننسى الأدوار الأخرى التي قام بها  أبناء جبال النوبة في كل أنحاء المعمورة على مستوى الأفراد و الجماعات في تسليط الأضواء على قضيتهم العادلة سواء بالكتابة في وسائل الأعلام أو تنوير منظمات حقوق الإنسان بما يدور في المنطقة.

 

دور الإعلام في فترة ما بعد السلام:

لقد ذكرت آنفاً في بداية هذه الورقة أن و سائل الإعلام تلعب دوراً كبيراّ في توعية المجتمعات و تنويرها بقضاياها الحيوية و خاصة في فترة السلم – و كم توقعنا بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل أن يكون هناك دور كبير للإعلام في توعية المواطنين بجبال النوبة ببنود إتفاقية السلام و تهيئة المواطن و إعداده للمشورة الشعبية و الأنتخابات القادمة و لكن واقع الحال يقول أننا لم نعد أنفسنا الإعداد التام لهذه المرحلة و خاصة من الناحية الإعلامية بل اقتصر دورنا كمثققين على الكتابة على صفحات الشبكة العنكبوتية و هي مجهودات مقدرة و لكنها  بل أسف لا تصل إلى مواطننا البسيط الذي يمكنه قراءة جريدة أو نشرة محلية ناهيك عن الأطلاع على صفحات الانترنت و متابعة ما يكتب فيها. فهناك تغييب إعلامي كامل للمواطن في جبال النوبة، فهو لا يجد سوى إعلام الحكومة المضلل – فإذاعات الحكومة المحلية موجهة و تعمل على تنفيذ برامج الحكومة في المنطقة استعداداً للمرحلة القادمة. فكم تمنيت أن تكون لدى حكومة الحركة في جبال النوبة إذاعة محلية تنطق بكل اللهجات الموجودة بالمنطقة حتى تخاطب السواد الأعظم من مواطنينا الذين بالكاد يتحدثون العربية ناهيك عن القراءة و الكتابة، كما كانت تفعل إذاعة الحركة الشعبية في تمانينات القرن الماضي..

أما أبناء جبال النوبة بالخارج، فلسنا بأحسن حال من من هم بالداخل، فقد أخذ منا الانقسام و التشرذم كل مـأخذ و لم نعد نعمل في تناسق و انسجام كما كنا في السابق، بل نعمد في غالب الأحيان إلى  إقصاء الآخرين الذين لا يوافقوننا الرأي و أصبحت أنتماءاتنا الحزبية الضيقة أكبر من إنتمائنا إلى المنطقة، و لم نعد نتحدث بلسان واحد بعد أن باءت كل محاولات عقد مؤتمر جامع لتوحيد الكلمة و الرؤى بالفشل الذريع. فما أحوجنا إلى مؤتمر جامع لكل أبناء النوبة بكل ألوان طيفهم السياسى و الدينى و القبلي حتى نضع الأطر العامة لمستقبل جبال النوبة التي تمر بمنعطف خطير في تاريخها نسبة للتطورات المتسارعة و المتلاحقة على الساحة السياسية السودانية و خاصة ما سيتمخض عنه الاستفتاء الخاص بتقرير المصير المزمع عقده في مطلع يناير من العام القادم و الذي سيحدد بصورة قاطعة ما إذا كان السودان سيظل دولة موحدة أم ينفصل الجنوب و ينهي بذلك ما يسمى بدولة السودان. إن النوبة دعاة وحدة و ظلوا يعملون منذ زمن الاستعمار على توحيد السودان بمشاركتهم في كل الثورات التي تنادي باستقلال و حرية السودان و بذلوا الغالي و النفيس من أجل تحقيق هذا الهدف. ففي حالة أنفصال الجنوب، و الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحدوث، فأن مصير و مستقبل جبال النوبة يصعب التكهن بهما، و قد ظل هذا هاجساً يؤرق مضاجع كل الحادبين على مصلحة المنطقة من إبنائها و المتعاطفين مع قضيتهم العادلة. و ظل الكثيرون  يتساءلون عن المخرج من هذا المصير المجهول و المستقبل القاتم.

إذن ما هو المخرج؟

إن تاريخ النوبة مفعم  بالنضال و التضحيات الجسام، فقد أبلى النوبة بلاءاّ حسناّ في كل المعارك التى خاضوها – فقد شاركوا في الحرب العالمية بجانب الحلفاء و آووا المهدى و ناصروه بعد أن تخلى عنه أقرب الأقربيين، كما أنهم ساهموا عسكرياً و سياسياً في بناء الدولة السودانية الحديثة، و بالأمس القريب قبل توقيع اتفاقية نيفاشا نجد أن النوبة قد حاربوا في جبهات عدة في جنوب السودان مع الحركة الشعبية و في شرقه مع قوات  التجمع الوطني، و لكن ماذا جنينا بعد كل هذه التضحيات؟ إننا لم نجنى سوى النكبات تلو النكبات – فقد كاافأنا المستعمر الأنجليزي بفرض  سياسة المناطق المقفولة على المنطقة التي عملت على تهميش المنطقة بالإضافة إلى غزوات المهدية(مجازر حمدان أبو عنجة و النور عنفرة) للمنطقة كما لا ننسى حملات الاسترقاق التي طالت المنطقة إبان فترتي التركية و المهدية و بالأمس القريب قام نظام الجبهة بعمليات التصفية العرقية و الإبادة الجماعية في المنطقة بالإضافة لإصدارهم  للفتوى التي جعلت من النوبة كفرة و مرتدين و استباحت دماثهم. فلقد قاتلنا بشراسة نيابة عن الأخرين لدرجة وصلت إلى وصف البعض لنا بأننا كنوبة نحارب بالوكالة من أجل قضايا الآخرين بشراسة  أكثر من قتالنا من أجل القضايا التي تخصنا. فلقد آن الآوان أن نحمل السلاح للدفاع عن قضيتنا كنوبة و أن نتوحد و نتصالح فيما بيننا و أن يكون همنا الأول و الأخير هو مستقبل  إنسان و أرض جبال النوبة  و أن تتوحد و أن تتوحد رؤيتنا حول قضايانا و أن يتوحد خطابنا الإعلامي في طرح و تناول تلك القضايا، و هذا في رأيي  هو المخرج .

كيفية توحيد الرؤية السياسية و الخطاب الإعلامي:

لقد ظل المثقفون من أبناء جبال النوبة بالخارج ينادون بضرورة قيام مؤتمر جامع يهدف إلى جمع شمل النوبة تحت مظلة واحدة و توحيد صفوفهم و توحيد الرؤية السياسية المستقبلية و كذلك العمل يداً واحدة من أجل مستقبل أفضل و غد مشرق لمنطقة جبال النوبة.  فمواطنيو جبال النولة بالداخل يتطلعون إلى أبنائهم بالخارج للقيام بدور طليعى تجاه أهليهم و إخراجهم من مأرق الإستقطاب السياسي الحاذ و المؤمرات السياسية المحدقة بهم و هذا يتطلب تضافر الجهود بتوحيد الصفوق و الكلمة و الوقوف معاً لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة. كما أن الهدف الأساسي من المؤتمر هو الأجماع على رؤية و برنامج سياسي موحد يحوى كل مطالب النوبة  و أن يكون ملزماً  لكل الأطراف.

كما يقع على عاتق أبناء جبال النوبة بالخارج توحيد أنفسهم و التنسيق فيما بينهم  لتكون رؤيتهم السياسية موحدة و خطابهم الإعلامي موحداً عندما يطرحون قضيتهم في المنابر الدولية، حتى لا يكون هناك تباين في الرؤى و اختلاف في الطرح مما يفقد القضية مصداقيتها. كما يجب على  أبناء المنطقة الذين يحملون مؤهلات في مجال الإعلام  التنسيق فيما بينهم  حتى يكون خطابهم الإعلامي موحداّ و أن يخلقوا قنوات إتصال بينهم و رصفائهم بالداخل.

توصيات الورقة:

توصى الورقة  بالآتي:

  1. ضرورة التوعية الأعلامية للمواطن بجبال النوبة و تنويره بحقوقه و واجباته و تهيئته سياسياً للمرحلة القادمة، وذلك بإصدار نشرات دورية محلية و إنشاء إذاعة محلية تنطق بكل اللهجات الموجودة في المنطقة.
  2. إقامة كورسات في مجال الإعلام لأبناء المنطقة لتخريج كوادر إعلامية تقوم بدورها الطليعي في توعية و تثقيف المواطن.
  3. ضرورة توحيد الخطاب السياسى و الإعلامي عند طرح قضية جبال النوبة في المحافل الدولية.
  4. تكوين إتحاد للكتاب و الصحفيين من أبناء جبال النوبة.
  5. الأستفادة القصوى من تكنولوجيا المعلومات و توظيفها لخدمة قضايا المنطقة من الناحية الإعلامية.